مهارة اختيار مشكلة البحث وصياغتها

مهارة اختيار مشكلة البحث وصياغتها
الأستاذ الدكتور
عبد الونيس محمد الرشيدي
أستاذ ورئيس قسم التخطيط الاجتماعي
المعهد العالي للخدمة الاجتماعية بدمنهور
ومستشار عمادة التقويم والجودة واستشاري التميز المؤسسي
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض سابقاً
مقدمة:
كاد يتفق أغلب المشتغلين بمناهج البحث حول مراحل وخطوات التصميم المنهجي للبحث العلمي في الخدمة الاجتماعية، وعلي الرغم من عرض هذه الخطوات بشكل مختصر أو بشكل تفصيلي لكل خطوة من خطوات التصميم، إلا أن المحتوي العام المتضمن في هذه الخطوات لا يختلف كثيراً من عرض لأخر، وفي احد التصنيفات لمراحل التصميم المنهجي للبحث في الخدمة الاجتماعية، تم تقسيمها إلي ثلاثة مراحل كالتالي:
(1) خطوات المرحلة التمهيدية، التحضيرية (المكتبية):
1- اختيار مشكلة البحث:
تعرف المشكلة بأنها عبارة عن موضوع يحيط به الغموض وبأنها ظاهرة تحتاج إلى تفسير أو بأنها قضية موضع خلاف وهناك خلط يقع فيه البعض في عدم التفرقة بين المشكلة الاجتماعية والمشكلة البحثية حيث أن مشكلة البحث ترتبط بموقف غامض غير محدد أو بقضية موقع اختلاف حيث تدور عملية البحث في جوهرها حول جمع الحقائق والمعلومات التي تساعد على إزالة الغموض الذي يحيط بالظاهرة، بينما المشكلة الاجتماعية عبارة عن موقف يتطلب معالجة إصلاحية وينجم عن ظروف المجتمع والبيئة الاجتماعية ويستلزم تجميع الوسائل والجهود الاجتماعية لمواجهته وتحسينه فهو عبارة عن عقبة أو مجموعة عقبات تحول بين الظاهرة الاجتماعية وبين أدائها لوظائفها الاجتماعية الأساسية أو هي عبارة عن انحراف السلوك الإجتماعى عن القواعد التي حددها المجتمع للسلوك الصحيح. (أبو طاحون، 1998: 287-295)
نمو المشكلة:
ويري فان دالين أن الوصول إلى مشكلة من المشكلات وتحليلها يعتبر خطوة لازمة سلفاً لمعالجة بحث من البحوث وأنه ومع ذلك فغالباً ما يغفل الباحث غير المجرب هذه الحقيقة، ومما هو معروف أن ينشأ عند الباحث غير المجرب تصور غير واقعي عن عملة بحيث يميل إلى تضخيمه فينخرط في محاولة إقامة بناء شاهق للدراسة قبل أن يرسى أساساً متينا يقام عليه البناء وهو عاده ينصت في شيء من عدم الصبر إلى من ينصحونه ويوجهون إليه الأسئلة الآتية: هل حددت مشكلتك بوضوح؟ هل تعرف ما هي المتغيرات التي تتضمنها مشكلة البحث؟ هل تملك المهارات الأساسية لحل هذه المشكلة؟ هل كونت إطارا ًنظريا سليما ًلهذه المشكلة؟ وبدون أن يعطى لهذه الأسئلة اهتماما جدياً، فإنه يندمج كليه في جمع ملاحظات غزيرة وفى الإعداد لتجربة مستفيضة، وطالماً أنه يستخدم مصطلحات وإحصاءات وطرقاً للبحث تتسم بالدقة والتعقيب فإنه يفترض بنفس راضية قانعة أن حل مشكلته سوف يتحقق تلقائياً، ولكن سرعان ما ينطفئ هذا الإحساس عندما ينهال النقض على تصميم مشكلته
إن البحث الرصين لا يتكون من استخدام الأدوات والطرق العلمية التي تؤدى إلى تراكم كومه غير ذات معنى من الإحصائيات، وحصة من الحقائق المتجمعة ومجموعة من التعميمات البراقة التي لم يقم عليها دليل مقبول، ولا تتأتي حلول المشكلات عن طريق اللعب بأدوات معملية، فأدوات البحث هي وسائل لغاية، ولذا ينبغي أن تستخدم استخداما هادفاً إذا أريد لها أن تكون ذات قيمة، كما أنها لا يمكن أن تستخدم استخداما ذكياً إلا إذا كان الباحث يعرف ما هي المشكلة التي يحاول حلها، ومن ثم فإن التخطيط هو الإجراء الذي ينبغي أن يعمل له كل حساب في البحث، إما تنفيذ الخطط فهو عملية آلية إلى حد كبير تحتاج إلى مثابرة وإصرار أكثر منها إلى النفاذ والعمق.
التعرف على المشكلة:
يعتبر التعرف على المشكلة وأبعادها ذات أهمية كبرى في البحث العلمي، فمن الضروري أن يتعلم الباحث كيف يتعرف على المشكلة ويحددها؟ وكيف يكشف الإنسان عن المشكلات ويعينها؟ وما هي الشروط أو الظروف التي تسببها؟ وفى هذا المجال يقول دارون إنك لتعجب كم قضيت من الوقت لأستبين بوضوح نوع المشكلات التي تحتاج إلى بحث وتفسير. وأنني إذ أعود بذاكرتي للوراء وبعد أن أتممت أبحاثي بنجاح، أرى أن تحديد المشكلات كان أصعب من إيجاد الحلول لها. إلا أن ذلك لشيء عجيب حقاً.
كذلك نجد أن جون ديوي قد أجاب على مجموعة التساؤلات التي تم إثارتها عند الكلام عن التعرف على المشكلة بقولة إن المشكلة تنبع من الشعور بصعوبة معينة، فإذا تسببت بعض الأشياء في إحداث حيرة أو اضطراب لدى أحد الأفراد فإن عدم الارتياح المطلق له يؤرق هدوء حالته العقلية حتى يتعرف بدقة على ما يحيره ويجد بعض الوسائل لحله.
المصادر التي يمكن للباحث أن يستمد منها مشكلات بحثه:
- ميدان التخصص: حيث يعتبر ميدان التخصص مجالاً خصباً للحصول على المشكلات،فمن المفيد أن يقوم الباحث بتحليل الدراسات والبحوث في مجال تخصصه فإذا وجد من سبقوه في البحث قد أغفلوا بعض الجوانب التي يشعر بأهميتها أو اختلفوا في الرأي حولها فإنه يمكن أن يبدأ في بحث جديد لإكمال الجوانب التي أغفلها الباحثون السابقون أو اختلفوا في تفسيرها.
- الدراسات الفرعية: فالباحث يستطيع أن يجد في الدراسات الفرعية وإن بعدت عن مجال تخصصه ذخيرة من الموضوعات التي تصلح للدراسة ويذكر في هذا المجال ما قيل عن دارون من أنه استوحى كثيراً من المشكلات المرتبطة بنظرية التطور من قراءته لكتابات مالتس عن السكان.
- الإطلاع العام: يمكن للباحث أن يستفيد من إطلاعا ته ومن قراءاته الخارجية في مختلف الميادين، حيث يتضمن إطلاعات الباحث ما تنشره الجرائد والمجلات عن بعض المشكلات الاجتماعية التي تحتاج إلى حلول عملية مثل تعاطي المخدرات أو مشكلة الهجرة أو التطرف، أو التلوث البيئي أو البطالة أو الآثار السلبية للعولمة إلى غير ذلك.
تحليل المشكلة:
وتحليل المشكلة يتضمن القيام بعدة خطوات منها:
1. الخطوة الأولى الشعور بالمشكلة: حتى تتم استثارة الباحث، ولكن غالباً ما يكون العرض المبدئي للمشكلة غامضاً جداً بحيث لا يمكن أن يستخدم كدليل أو موجه نحو حل موفق ولهذا فلابد من تعيين المشكلة بشكل دقيق.
2. الخطوة الثانية جمع المعلومات التي تتعلق بالمشكلة: وفيها قد يستطيع الباحث أن يميز العوامل المعينة التي تسبب الصعوبة أو المشكلة عن طريق تحليل الموقف العام وعناصره وظروفه وخصائصه والمواقف التي يبدو أنها تتعلق به وفى هذا المجال يتم جمع معلومات عن:
– الوقائع المعروفة والمشكوك فيها على حدً سواء.
– التفسيرات التي يمكن أن نستمد منها أو نبنى عليها معلومات معينة. وغالباً ما يستغرق الحصول على صورة متضمنة لكل ذلك وما بينها من علاقات وقتاً طويلاً، ومع ذلك فإنه لا يمكن حل المشكلة ما لم يتم ذلك.
3. الخطوة الثالثة في تحليل المشكلة: استخلاص أكبر قدر من المعاني من مكونات المشكلة، فإنه يجب البحث عن العلاقات بين الحقائق وبعضها وبين التفسيرات وبعضها وبين الحقائق والتفسيرات، وقد يظهر أنه بالتعمق في المشكلة أكثر وأكثر فقد يكتشف أن الظروف التي ظهرت في البداية على أنها أسباب هامة تكمن وراء الصعوبة أو المشكلة ليست هي العوامل المعينة المسئولة عن ذلك، فالعوامل التي قد تبدو أكثر أهمية حينما يكشف عنها التحليل في البداية قد تكون مجرد علاقات تقود إلى الأسباب الحقيقية للمشكلة.
4. الخطوة الرابعة: هي تمحيص الافتراضات الكامنة وراء العناصر التي يحتمل أن تكون مكونة لها، فهل الافتراضات حقيقية؟، إن الأفكار المسبقة والمعتقدات الدينية والافتراضات الأساسية الخاطئة، قد تعمى الباحث عن المصدر الحقيقي للمشكلة أو تقوده إلى دروب مغلقة لا يصل عن طريقها إلى أية حلول، وكثيراً ما وقع الباحثون في الخطأ نتيجة لأنهم فشلوا في مراجعة الافتراضات الكامنة وراء استنتاجهم، ولهذا لابد من فحصها بعناية وتجميع أكبر قدر ممكن من الحقائق لتأييدها قبل أن نمضى قدماً في بحثها.
5. الخطوة الخامسة البحث عن حقائق لتوضيح المشكلة: وبعد أن يضع الباحث قائمة من البنود التي يعتقد أنها تتعلق بالمشكلة ومحاولة اكتشاف العلاقات بينها، وتمحيص الافتراضات التي يستند إليها فإنه يبحث عن حقائق لتحديد ما إذا كانت هذه العناصر تتعلق بمشكلته وإما إذا كانت هناك عيوب في استنتاجها فيما يتعلق بطبيعة المشكلة وقد يكتشف الباحث أثناء بحثه عن الحقائق بعض المعلومات الجديدة المتعلقة بالمشكلة والتي يمكن إضافتها إلى قائمته وبالإضافة إلى ذلك قد يكتشف دليلاً يشير إلى معلومات معينة في قائمته الأصلية تستحق المزيد من الدراسة، وعن طريق جمعة للمعلومات الموثوق بها والتي تمكنه من استبعاد بعض العناصر الواردة في القائمة أو الإبقاء عليها، والاستمرار في تتبع العلاقات بين العناصر المتبقية فبهذا يستطيع الباحث أن ينفذ إلى لب المشكلة وأن يبرز أبعادها وأن يوضحها.
6. الخطوة السادسة هي عرض المشكلة: فأثناء تحليل المشكلة يقوم الباحث بإعادة صياغة التفسير الذي وصل إليه بخصوص المشكلة والذي عبر عنه بطريقة غامضة، وبعد أن تحدد كل الحقائق والتفسيرات الملائمة التي تسبب المشكلة وتتبع ما بينها من علاقات متداخلة تقوم بتنظيمها في تقرير رسمي يعطى صورة كاملة عن المشكلة بكافة أبعادها ويتطلب كتابة المشكلة عناية فائقة والهدف منه هو عرض الأبعاد الحقيقية للدراسة في صورة كلمات محددة، ويقوم الباحث في التقرير الرسمي للمشكلة بوصف أرضية الدراسة، والنظريات التي تستند إليها والافتراضات الكامنة وراء التحليل، كما يحدد بصفة خاصة الأشخاص والمواد والمواقف والعوامل والأسباب التي ستؤخذ أو لن تؤخذ في الاعتبار ومن ثم لن يكون هناك أي تساؤل عما سيفعله الباحث غير مجاب عليه، والتقرير الوافي للمشكلة يشمل المجموع الكلى للحقائق المتعلقة والمفاهيم التفسيرية التي أشار التحليل إلى أن لها دوراً في المشكلة. وهذه العوامل لا ترصد مجرد رصد في شكل دائرة معارف وإنما توضع في علاقات مع بعضها البعض. ومن خلال التصنيف المتقن للعوامل إلى مجموعات أولية ومجموعات ثانوية يصوغ الباحث السؤال أو الأسئلة المعينة التي ينبغي أن يجيب عليها لكي يحل المشكلة.
ويمكن في الآتي إيجاز المواقف التي يجب أن يضطلع بها الباحث عند تحليله للمشكلة كما أوردها فان دالين:
- تجميع الحقائق التي يبدو أنها تتعلق بالمشكلة.
- تحديد ما إذا كانت هذه الحقائق تتعلق بالمشكلة وذلك عن طريق الملاحظة.
- تتبع أي علاقات بين الحقائق وبعضها والتي قد تؤدى إلى الكشف عن مفتاح للصعوبة.
- اقتراح تفسيرات أو فروض متعددة عن سبب الصعوبة أو المشكلة.
- التأكد عن طريق الملاحظة والتحليل عما إذا كانت هذه التفسيرات مناسبة للمشكلة.
- تتبع أي علاقات بين التفسيرات التي قد تزودنا باستبصار في حل المشكلة.
- تتبع العلاقات بين الحقائق وبين التفسيرات.
- مراجعة الافتراضات الكامنة وراء تحليل المشكلة.
الوسائل التي تعين الباحث على تحديد مشكلة البحث وتحليلها:
1. على الباحث أن يحاول معرفة كل ما كتب عن موضوع بحثه: فالباحث حينما يبحث عن مشكلة لابد وأن يستكشف كل ما كتب عنها وأن يكون نظرة عامة عن النظريات التي أنشأها الآخرون وطوروها وأثناء دراسة الإطار النظري قد يضع الباحث يده على نواحي الضعف أو مظاهر التناقص أو على فجوات في المعرفة تشير إلى احتمالات وجود مشكلة، فبذور المشكلة ترقد ساكنة مهملة في الدوريات المتخصصة تنتظر من يكشف عنها كما أن المطبوعات الدورية تشير بطريق مباشر أو غير مباشر إلى مشكلات لم تحل في:
- تقارير عن البحوث الجارية.
- مقالات تناقش أو تتشكك في الافتراضات والإجراءات والأساليب والتعميمات التي تلقى قبولاً في الميدان بصفة عامة.
- الدراسات المسحية التي تلخص تعداد البحوث في مختلف المجالات.
2. علي الباحث أن يُعرض نفسه للاستثارة العلمية فعندما يضع الباحث نفسه في بيئة بحثية نشطة فإنها تزيد من الفرض أمامه لكي يجد المشكلات ويعمل على حلها.
3. فحص الخبرات اليومية، فكل المشكلات تنبع من مواقف الحياة لذا فإن الباحثين بصفة عامة والاجتماعيون بصفة خاصة غالباً ما يكونون في موضع يسهل لهم اكتشاف المشكلات أكثر من غيرهم.
وهناك مجموعة من الاعتبارات قد تكون شخصية أو اجتماعية ويمكن أن نسوق في الآتي هذه الاعتبارات:
- الاعتبارات الشخصية: ويدور حولها مجموعة من التساؤلات منها:
- هل تتواءم المشكلة مع أهداف الباحث وتوقعاته وكذلك وأهداف وتوقعات الآخرين.
- هل يستطيع الباحث تنمية المهارات والقدرات الخلقية المعرفية اللازمة لهذه الدراسة.
- هل لدي الباحث الوسائل والإمكانيات والأدوات والموضوعات والأفراد اللازمين لهذه الدراسة.
- هل لدي الباحث الوقت والمال اللازم لإنهاء الدراسة.
- هل الباحث شغوف بالدراسة ومتحرر من التحيزات الشخصية.
- هل يمكن الحصول علي البيانات الصحيحة للدراسة.
- هل يتوافر للمشكلة البحثية النطاق والأهمية والمتطلبات الموضوعية والمتعلقة بالموضوع التي تتطلبها الجهة المعمول بها ومن أجلها الدراسة.
- هل يمكن الحصول علي الدعم الإداري والتعاون المؤسسي اللازم لهذه الدراسة.
- الاعتبارات الموضوعية: ومنها:
- هل سيؤدي دراسة هذه المشكلة إلي تطوير المعرفة في مجالها.
- هل ستكون للدراسة أهمية تطبيقية.
- هل يعتبر إجراء هذه الدراسة إعادة لجهد مثيل سبق فعله.
- ما هو سعة النطاق التطبيقي للدراسة أو نتائجها.
- إذا أجرى مثل هذا الجهد مسبقاً هل يحتاج إلي توسيع نطاقه عما هو موجود حالياً.
- هل المشكلة محددة بحيث تسمح بمعالجة شاملة.
- هل سيشك في قرارات ونتائج هذه الدراسة لعدم قوة وجوهرية الأدوات البحثية المستعملة.
- هل سيؤدي إجراء هذه الدراسة إلي إطلاق وتنمية مزيد من الدراسات الأخرى.
وبصفة عامة فإن هناك عدة اعتبارات يجب مراعاتها عند اختيار المشكلة تتلخص فيما يلي:
- من الضروري أن نصوغ المشكلة في قضايا ومفاهيم محددة.
- تحديد ماهية مشكلة البحث من خلال:
- من حيث اتصال هذه المشكلة ببعض الجوانب ذات الطابع التطبيقي.
- من حيث ارتباطها بقطاع له أهمية في المجتمع.
- هل ستفيد دراسة هذه المشكلة في تغطية نقص معين في التراث العلمي.
- هل سيؤدي بحث هذه المشكلة إلي صياغة تعميمات وقضايا عامة تفسر التفاعل الاجتماعي.
- هل ستدعم دراسة هذه المشكلة تعريفاً معيناً لمفهوم رئيسي.
- ما مدي ارتباط هذه المشكلة بغيرها من المشكلات.
- هل من الممكن أن تسهم دراسة هذه المشكلة من الناحية المنهجية في تطوير أدوات جديدة للبحث وتحسين الأدوات المستخدمة حالياً.
وبعد أن يقع اختيار الباحث علي مشكلة معينة بالذات فعلية أن يحدد صلة هذه المشكلة بالإطار النظري الأشمل وهذا الإطار النظري يضم كل الموضوعات والفروض والتعريفات والقضايا النظرية التي تمس جوانب هذه المشكلة بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ويقتضي ذلك من الباحث أن يحيط بكل ما كتب من دراسات عن موضوع بحثه وعلي ضوء ذلك يستطيع الباحث أن يصوغ مفاهيم دراسته صياغة واضحة.
2. تحديد نوع الدراسة:
أ. إذا كان ميدان الدراسة جديداً لم يطرقه الباحثون من قبل فإن الباحث يقوم بدراسة استطلاعية كشفية تهدف إلي استطلاع الظروف المحيطة بالظاهرة وتمكن من صياغتها بطريقة دقيقة تمهيداً لبحثها بحثاً عميقاً في مرحلة تالية وكذلك التعرف علي أهم الفروض التي يمكن إخضاعها للبحث العلمي الدقيق.
ب. أما إذا كان موضوع البحث محدداً عن طريق دراسة استطلاعية سابقة فإن الباحث يحدد نمط بحثه باعتباره دراسة وصفية وهي التي تهدف إلي تقرير خصائص الظاهرة تحديداً كيفياً أو كميا بصورة أكثر دقة، حيث أن هذا النوع من الدراسات يكون أكثر عمقاً ودقة عن النوع الأول.
جـ. أما إذا كان موضوع الدراسة أكثر تحديداً ودقة نتيجة لبحثه عن طريق نوعي الدراسة السابقتين (الكشفية والوصفية) فإن الباحث ينتقل إلي النوع الثالث من أنواع الدراسات، وهي تلك الدراسة التي تختبر صحة الفروض العلمية وتعرف باسم البحوث التجريبية وهي أرقي أنواع البحوث حيث تكون أكثر تحديداً وعمقاً ودقة عن سابقتها.
وهنا تجدر الإشارة إلي أن وضع الفروض يرتبط بنوع الدراسة فالدراسة الاستطلاعية تخلو من الفروض، علي حين أن الدراسة الوصفية قد تتضمن فروضاً متى كانت المعلومات المتوفرة لدي الباحث من ذلك، أما الدراسة التجريبية فمن الضروري أن تتضمن فروضاً دقيقة محددة لمحاولة التحقق من صحتها. (مرعي وحمزة، 1997: 83-89)
3. تحديد المنهج الملائم للبحث:
يشير مفهوم المنهج إلى الطريق المؤدى إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة مجموعة من القواعد العامة تهيمن على سير العقل وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة. ويعنى أن مفهوم المنهج يشير إلى الكيفية أو الطريقة التي يتبعها الباحث لدراسة موضوع البحث ويتضمن الإجابة على السؤال:كيف يدرس الباحث الموضوع الذي حدده؟
ومن أهم الأساليب التي يكثر استخدامها في بحوث الخدمة الاجتماعية:
- أسلوب المسح الاجتماعي.
- أسلوب دراسة الحالة.
- المنهج التجريبي.
4. تحديد مجالات الدراسة:
أ. المجال البشرى للدراسة:
ويقصد بذلك تحديد مجتمع البحث، وقد يتكون مجتمع البحث من بعض الإفراد أو الجماعات، وقد يكون مجتمع البحث من وحدات كالمصانع والمدارس أو وحدات اجتماعية كالقرى وغيرها ويتوقف تحديد مجتمع البحث على نوع المشكلة أو الظاهرة.
وتقوم معظم البحوث الاجتماعية على اختيار عينة تمثل مجتمع البحث تمثيلاً صادقاً في حدود الوقت والجهد والإمكانيات المتوفرة لدى الباحث ثم القيام بدراسة هذه المفردات من العينة والوصول إلى نتائج تعمم على المجتمع الذي أخذت منه العينة، حيث أنه من العسير القيام بدراسة شاملة لجميع مفردات مجتمع البحث.
ب. المجال المكاني للدراسة:
ويقصد بذلك تحديد المنطقة أو البيئة الجغرافية التي يجرى فيها البحث، والمكان قد يشمل مدينة بأكملها أو أحد الأحياء بها وقد يشمل قرية واحدة أو عدة قرى ويتوقف ذلك على نوع الدراسة والإمكانيات المتوفرة لدى الباحث.
ج. المجال الزمني للدراسة:
ويقصد بذلك الوقت المناسب الذي يتم فيه جمع البيانات المطلوبة من المبحوثين ويعنى ذلك أن يكون الوقت ملائما بحيث يتحقق معه التوفير في الجهد والوقت والمال، وكذلك الحصول على البيانات اللازمة دون إرهاق أو ملل من جانب المبحوثين وعلى الباحث أن يراعى كل ذلك باختيار أفضل وقت مناسب للباحث وللمبحوثين بالنسبة لكل خطوة من خطوات البحث.
5. تحديد الأدوات اللازمة لجمع البيانات:
يشير مفهوم الأداة إلى الوسيلة التي يجمع بها الباحث البيانات التي تلزمه وقد يعتمد الباحث على أداة واحدة لجمع البيانات وقد يعتمد على أكثر من أداة حتى يتمكن من دراسة موضوع البحث من جميع النواحي وكشف أبعاده المتعددة.
ومن بين الأدوات التي تستخدم في بحوث الخدمة الاجتماعية:
- الملاحظة.
- استمارة الاستبيان.
- استمارة المقابلة.
- مقاييس العلاقات الاجتماعية أو الرأي العام والاتجاهات.
ويتوقف اختيار الباحث للأداة الملائمة على عدة عوامل منها صلاحية بعض الأدوات عن غيرها في بعض المواقف(مثل صلاحية الاستبيان والمقابلة عند دراسة عقائد واتجاهات الإفراد نحو موضوع معين). وكذلك صلاحية الملاحظة عند دراسة سلوكهم الفعلي نحو موضوع ما وأيضا يتوقف تحديد نوع الأداة على نوع المبحوثين أنفسهم، فقد يقاوم بعض الناس الإجابة على التساؤلات، وهناك نستخدم الملاحظة كما تستخدم المقابلة مع غير المتعلمين.
(2) خطوات المرحلة الميدانية، التطبيقية:
- تهيئة والاتصال بمجتمع البحث:
يعنى ذلك الاتصال بالمبحوثين وتهيئة أذهانهم لموضوع البحث وعمل التوعية اللازمة لهم عن طريق وسائل الاتصال المختلفة أو عن طريق الاتصال بالهيئات المسئولة (حكومية أو أهلية) أو القيادات المحلية التي يمكنها تهيئة المناخ الملائم لعملية جمع البيانات،وعدم مقاومة أو رفض التعاون مع القائمين بجمع البيانات، وتقتضى هذه الخطوة تعريف المبحوثين بأهمية البحث والأغراض التي يسعى إلى تحقيقها، وحتى يطمئن المبحوثين ويساهموا في نجاح عملية البحث بإعطاء المعلومات المطلوبة منهم بصدق ووضوح ودقة.
- إعداد وتدريب جامعي البيانات:
لما كانت عملية جمع البيانات هي الخطوة التي تتوقف عليها صحة النتائج ودقتها فإن جامعي البيانات يجب اختيارهم من بين الذين تتوافر لهم الخبرة والدراية بالبحوث الميدانية، وأن يكون لديهم من القدرات والمواهب الشخصية ما يؤهلهم لجمع البيانات مثل حسن التصرف واللياقة والصبر، وأن يكون لديهم إلمام ببعض القضايا الاجتماعية الخاصة بالمجتمع عامة ومجتمع البحث بصفة خاصة.
ومن ثم يجب أن يقوم المشرف على البحث بإعداد وتدرب جامعي البيانات بل النزول إلى الميدان، وذلك عن طريق شرح الهدف من البحث وخطته وكيفية تطبيق واستخدام أدوات جمع البيانات على أن يشمل ذلك الشروط الأساسية في تطبيق أي أداة، وكيفية التصرف في المواقف المتوقعة ويفضل أن يطبع دليل العمل الميداني ليكون مرجعا لجامعي البيانات يسترشدون به عند الحاجة إليه.
- الإشراف على عملية جمع البيانات:
ومعني ذلك أن يقوم المشرف علي البحث بالإشراف علي الباحثين الميدانيين (جامعي البيانات) أثناء عملية جمع البيانات من الميدان، وذلك للوقوف علي ما يعترضهم من صعاب، والعمل علي تذليل هذا الصعاب أولاً بأول، وكذلك التأكد من صحة وسلامة قيام الباحثين بحيث لا تكون عملية الإشراف في صورة رقابة وضبط، بل يجب أن تكون عملية تعاونية وتوجيهية.
- مراجعة البيانات:
في هذه الخطوة يقوم المشرف علي البحث بالإشراف علي عملية مراجعة البيانات التي تم الحصول عليها من المبحوثين وتشمل عملية المراجعة نوعين هما المراجعة الميدانية والمراجعة المكتبية وتتم المراجعة الميدانية علي نسبة معينة تتناسب مع جملة الأدوات التي تم استخدامها في جمع البيانات، وذلك للتأكد من أن الباحثين قد قاموا بالحصول علي البيانات المطلوبة بدقة، وعلي المشرف إجراء التعديلات اللازمة في حالة حدوث عكس ذلك.
أما المراجعة المكتبية فإنها تتم علي كافة الأدوات التي استخدمت في الحصول علي البيانات، وذلك للتأكد من الباحثين الميدانيين قد قاموا بتسجيل استجابات المبحوثين بطريقة سليمة ليس بها تناقض، ويسهل معها إجراء عمليات التفريغ والتصنيف لهذه البيانات.
(3) خطوات المرحلة النهائية:
-
- تفريغ وتصنيف البيانات وجدولتها:
ويقصد بذلك ترتيب البيانات وتقسيمها إلي فئات يتم فيها وضع المفردات المتشابهة في فئة واحدة، ويتم هذا التصنيف عن طريق تفريغ البيانات إما بالطريقة اليدوية وإما بالطريقة الآلية في كشوف معدة لذلك ثم بعد ذلك ترتيب هذه البيانات في جداول، وقد تكون هذه الجداول بسيطة أو مزدوجة أو مركبة، وتتم عملية الجدولة لكي يسهل بعد تفسيرها.
-
- تحليل البيانات وتفسيرها:
بعد جدولة البيانات يقوم المشرف علي البحث بعملية التحليل الإحصائي للبيانات لإعطاء صورة وصفية دقيقة عنها ولتحديد الدرجة التي يمكن بها تعميم نتائج البحث علي المجتمع.
وفي هذه الخطوة يقوم الباحث بتفسير الحقائق التي تم الحصول عليها حتى يكشف عن العوامل المؤثرة في المشكلة موضوع الدراسة والعلاقات التي تربطها بغيرها من ظواهر وأوضاع المجتمع وبدون هذا التفسير تصبح الحقائق التي وصل إليها الباحث صماء لا جدوى منها.
-
- استخلاص النتائج ووضع التوصيات:
من خلال عمليتي التحليل والتفسير التي يقوم بها الباحث يتم استخلاص النتائج التي أسفرت عنها الدراسة، سواء كانت هذه النتائج سببية أو ارتباطيه (وظيفية)، وبناء على هذه النتائج يقوم الباحث بوضع التوصيات أو المقترحات اللازمة لعلاج المشكلة أو الظاهرة موضع الدراسة، ويجب أن تكون هذه التوصيات والمقترحات مرتبطة بالنتائج المستخلصة من البحث. كما يفضل أن تكون هذه التوصيات في شكل مقترحات وخطط قابلة للتنفيذ والتطبيق العملي ومرتبطة بعمل الأخصائي الاجتماعي.
-
- كتابة التقرير النهائي عن البحث:
عن طريق هذه الخطوة يستطيع الباحث أن ينقل إلى القراء ما توصل إليه من نتائج وتوصيات، ومن ثم على الباحث أن يقوم في نهاية كتابة تقرير نهائي عن البحث يوضح فيه بدون مبالغة أو حشو أو تطويل كافة الخطوات السابقة والصعوبات التي واجهت عمليات البحث وكيفية التغلب عليها وكذلك ما صاحب إجراء البحث من تكاليف مادية(ميزانية البحث)توضيح نصيب كل عملية ومرحلة من الميزانية وأيضاُ الوقت الذي استغرقته كل عملية، ومجمل القول يكون التقرير عبارة عن الصورة التي يود الباحث توصيلها إلى القراء والمستفيدين من البحث.
ونستخلص من عرضنا لتلك المراحل والخطوات أن البحث العلمي في الخدمة الاجتماعية ذو طبيعة متماسكة ووحدة مترابطة تتصل فيها المقدمات بالنتائج، كما ترتبط النتائج بالمقدمات حيث تنتهي النتائج إلى قبول وتدعيم المقدمات الممثلة في الفروض والتساؤلات أو رفضها.
واستناداً علي ما سبق يمكن عرض مراحل وخطوات البحث في الخدمة الاجتماعية فيما يلي:
-
-
-
- المرحلة الأولي:التمهيدية أو التحضيرية أو المكتبية وتتضمن الخطوات التالية:
-
-
- اختيار مشكلة الدراسة وصياغة العنوان وتتضمن:
- صياغة مشكلة الدراسة.
- تحديد أهمية الدراسة.
- تحديد أهداف الدراسة.
- تحديد تساؤلات أو فروض الدراسة.
- تحديد مفاهيم الدراسة.
- استعراض الدراسات السابقة.
- تحديد نوع الدراسة.
- تحديد المنهج المستخدم.
- تحديد مجالات الدراسة(المكاني والبشري والزمني).
- تحديد أدوات جمع البيانات.
-
-
- المرحلة الميدانية أو التطبيقية أو مرحلة جمع البيانات وتتضمن الخطوات التالية:
- تهيئة مجتمع الدراسة.
- إعداد وتدريب جامعي البيانات.
- الإشراف علي عملية جمع البيانات.
- مراجعة البيانات.
- المرحلة الميدانية أو التطبيقية أو مرحلة جمع البيانات وتتضمن الخطوات التالية:
-
-
- المرحلة النهائية وكتابة تقرير البحث وتتضمن الخطوات التالية:
- تصنيف وتفريغ وجدولة البيانات ألياً أو يدوياً.
- تحليل وتفسير البيانات.
- استخلاص النتائج ووضع التوصيات الخاصة بالدراسة.
- كتابة تقرير البحث.